الثلاثاء - 23 أبريل 2024 - 10:45 صباحًا
الرئيسية / اسلايدر / نِداءُ الدَّم

نِداءُ الدَّم

نِداءُ الدَّم

يكتبها ويرد عليها: عادل موسى

 

في لحظةٍ واحدةٍ قد أكونُ قاتلًا..

في لحظةٍ واحدةٍ قد أَغرقُ في نهرٍ من الدم..

أعلمُ أنني حتى الآن لم تتلوث يديَّ.. لكن من أدراني أني سأقاومُ كثيرا.. وأني لن أنجرَ إلى ما يدفعُني لسفكِ الدماء.

يوما بعد آخر يتعاظم إحساسي.. وتزداد رغبتي المحمومة في أن أكف عن المقاومة وأستجيب طواعية للهاجس الذي أصبح يتملكُنِي.. وأخشى في لحظةٍ ما أن تنهارَ مقاومتي.

كلُ من يراني لا يعتقد أن شرًا مني سيطال أحدًا أو أنني بأي حالٍ من الأحوال أشكلُ خطرا على أحد.. ولو كان مجرد احتمال.

أنا حلاق.. نعم حلاق.. لن أُجَمّلَ مهنتي أو أخفي صنعتي كما يفعل كثيرون وأقول إنني “كوافير رجالي”.. تعلمت الصنعة منذ صغري حتى أتقنتها ومهرت فيها حتى صار الناسُ يأتون إليّ من مناطق نائية.. ولا يخرج أحد من “صالوني” إلا راضيا عن شكله مبتهجا مما يلقى من عنايتي.

هناك شئ آخر لابد من ذكره.. إنني أعشق مشاهدة أفلام الرعب.. منذ صغري أيضا.. في البداية أحببت فيها الترقب وحبس الأنفاس والقلق الذي يمتد من بداية الفيلم لنهايته.. وكم حاصرتني “الكوابيس” المزعجة في نومي بعد مشاهدتها.. لكن هذا كان جزءا من متعتي.. وتخطيتُ هذه الأحاسيس حتى أصبح مشهدَ إراقةِ الدماء محببًا إلى نفسي يثير داخلي نشوةً خاصة لا أعتقدُ أن أحدًا غيري يشعرُ بها.

تعاظمَ هذا الإحساسُ داخلي منذ عامين.. لقد بدأ شيئا عاديا عندما شدني مشهدٌ غاية في الدموية واستغرقني مشهدُ القاتل وعلامات النشوة والمتعة على ملامحه.. حتى تسلل الأمر إليّ شيئا فشيئا.. وتحول الأمر من نشوة المشاهدة إلى الرغبة في تجربة الأمر.. ولم يكن أمامي غير حل واحد لتحقيق هذا.

 أحسست ولأول مرة أن الأمر يمكن تحقيقه عندما جلس أمامي أحد الزبائن وطلب مني أن أحلق له ذقنه.. لا أدري ماذا أغراني بأن أتصور نفسي وفي يدي شفرة الحلاقة أني أذبحه من الوريد إلى الوريد.. أو على أقل تقدير أحاول قطع رقبته ليتدفق نهر الدماء بين يديّ حارا شهيا.

قاومتُ نفسي بشدة حتى لا أندفع وراء إحساسي ولم أتنفس الصعداء إلا عندما نهض “الزبون” من أمامي وشعرت أن الله كتب له عمرا جديدا وكتب لي نجاة من القتل.. لكن الأمر لم ينته عند هذه المرة.

تخيلت أنها لحظة شيطان ولن تعود لكن ما حدث في اليوم التالي أكد لي أن ما بداخلي ليس هاجسا بل نداء يتكرر كلما جلس أمامي “زبون” ليحلق ذقنه.. وتحول الأمر إلى لحظات مقاومة تمتد منذ إمساكي بالشفرة حتى أنتهي من عملي وأضعها جانبا.. وخلال هذه اللحظات لا أشعر بشئ حولي على الإطلاق حتى أن كثيرين لفتوا انتباهي إلى أنني أكون وقتها شاردا وتنبتُ حباتُ العرقِ على جبيني..  حتى في الشتاء.

تفاقمَ الأمرُ حتى صار الهاجس إلحاحا.. وتحول النداءُ الخافت إلى صوتٍ صاخب.. وشعرت أنني قد اقتربت من الانصياع للأمر عندما صار الصوت أعلى من إرادتي وأقوى من مقاومتي.. وتأكدت من هذا عندما هممت بالفعل في تنفيذه.. وجرحت أحد الزبائن جرحا غائرا في ذقنه.. والحقيقة أنني كنت أقصد رقبته.. لكن الله سلَّم.

بدا على وجهي الشحوب.. وصار واضحا للجميع حالة الوهن التي أصابتني جراء حديثي لنفسي ومقاومتي اليومية التي أخشي أن تنهار في لحظة ما فنصحني كثيرون بالراحة.. وانصعت للأمر ليس طلبا للراحة بل ابتعادا عن لحظات الضعف وضغوط الهواجس المتلاحقة.. وهكذا أتيت بأحد أصدقاء المهنة ليعمل مكاني في المحل.

وبعد أربعة أيام من الراحة والتفكير العميق قررت ألا أعمل في هذه المهنة مرة أخرى لكن عندما أعلنت هذا وجدت اعتراضا كبيرا من أصدقائي وزبائني وأهل بيتي.. ولامني كثيرون على ترك مصدر رزقي.. لكنهم لايعلمون سر قراري هذا وبالطبع لم أصارح أحدا بما أشعر به.. حتى زوجتي نفسها.

عدت للعمل.. وعادت كذلك الهواجس والدوافع والنداءات.. وعاد عذابي وشرودي.. وأخشى ما أخشاه أن أغفو لحظة واستيقظ وقد ذبحت أحدا أو أنهيت حياته تلبية للنداء.. نداء الدم.

س. م. ع

الرد:

أعلم جيدا مدى عذابك.. وأشفق عليك من صراعك المستمر بين الاستجابة لنداءاتك وهواجسك وبين ما تمنعك منه طبيعتك الإنسانية وسريرتك الرافضة لإراقة الدماء.. لكنني أيضا أعلم أن علاجك لن يكون بكلمات مهما بلغت ولا بوصفات مهما كانت.. علاجك ياصديقي في البحث عن طبيبٍ نفسي متمكن ثم الذهاب له فورا دون تردد أو انتظار.

امتنع عن العمل هذه الأيام.. وكلف صديقك بالوقوف بدلا منك.. ولا تضع نفسك في رحى هذه التجربة الشاقة التي قد تفضي بك في لحظة ما إلى الجريمة.. حتى لو كنت مدفوعا لها دون رغبتك.. أو رغما عنك.. ففي جميع الحالات ستكون هناك ضحية بريئة لاذنب لها.. حتى لو كنت مريضا بهذا الوسواس أو الهاجس.

اخضع للعلاج النفسي دون قلق أو خوف فالمرض النفسي ليس عيبا لكن العيب كل العيب في عدم الاعتراف به أو تركه حتى يستفحل ويأخذك إلى طريق لا تحب أن تسلكه.. وإذا شئت فلا تخبر أحدا بذهابك للطبيب النفسي وسيكفل لك هو السرية التامة حتى يتم الله شفاءك وتعود كما كنت طبيعيا لا تلتفت لهاجس أو تخضع لوسواس.

عن Nas News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *