وكالة ناس الإخبارية
لم يكن الدكتور نبيل فاروق مجرد كاتب لروايات الجيب التي أطلقتها المؤسسة العربية الحديثة للشباب العربي في المشروع الذي بدأ في ثمانينات القرن الماضي.. ولم يكن نجاحه مجرد نجاح كاتب أقبل القراء على مؤلفاته.. ولم تكن إسهاماته مجرد أرقام تضاف للإصدارات التي تهدر بها المطابع سنويا.. لكنه كان رمزا للكاتب الذي شكل وجدان أجيال بأكملها وزرع فيها الحب والانتماء لمصر أولا وللعروبة ثانيا ولمناهضة الكيان الصهيوني المزروع كالسرطان في جسد الأمة العربية والمغتصب للأراضي الفلسطينية مع إرساء حقيقة أنه العدو الأول للأمة.. إن لم يكن الأوحد.
في التاسع من فبرايرعام 1956 كانت مدينة طنطا محافظة الغربية على موعد مع ميلاد نبيل فاروق رمضان بيومي الذي سيكون فيما بعد ليس فقط علما من أعلامها بل من أعلام مصر والوطن العربي بأكمله ورائدا من رواد أدب الخيال العلمي والجاسوسية في الشرق الأوسط.
وفي عام 1984 كان الدكتور نبيل نفسه على موعد مع نقطة التحول التي غيرت مجرى حياته تماما عندما اشترك في مسابقة لكتابة رواية خيال علمي أعلنت عنها المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتي حصل فيها على المركز الأول رغم تقديمه الرواية في آخر يوم من أيام المسابقة ورغم أن المؤسسة بدأت الأمر على أنه مجرد مسابقة وتنتهي لتعود لطباعة الكتب التعليمية التي تخصصت فيها إلا أنها قررت إصدار سلسلة لكتب الجيب تنتج روايات الخيال العلمي بعد نجاح توزيع رواية أشعة الموت وهي الرواية التي حملت اسم الدكتور نبيل فاروق لأول مرة في حياته وقدمته على استحياء لجمهور القراء لتبدأ بذلك سلسلة روايات ملف المستقبل وتبدأ معها صفحة جديدة ليس فقط في مسيرة الدكتور نبيل فاروق لكن في مسيرة المؤسسة نفسها والأعمق من ذلك ما سيحدث من أثر في كيان جيل بأكمله تربى على هذه الروايات فشكلت وجدانه وكانت دافعا قويا ليقرأ في شتى المجالات بعد ذلك.
تخرج الدكتورنبيل فاروق من كلية الطب جامعة طنطا عام 1980 وهي الكلية نفسها التي تخرج منها أيضا تلميذه ورفيقه فيما بعد الدكتور أحمد خالد توفيق رائد أدب الرعب في الوطن العربي وفي عام 1998 قرر فاروق التفرغ للكتابة بعد النجاح الكبير الذي حققه منذ انطلاق سلسلة ملف المستقبل وبعدها سلسلته الأشهر رجل المستحيل وهما السلسلتان اللتان أنهاهما وهو على قيد الحياة عند العدد 160 لكل منهما وكان إعلانه انتهاء سلسلة رجل المستحيل بمثابة صدمة كبيرة لقرائه الذين ارتبطوا وجدانيا وقوميا بها حيث تحكي عن رجل مخابرات مصري يدعى أدهم صبري يمتلك مهارات وإمكانيات لاحصر لها مكنته من تحقيق انتصارات ساحقة على أعداء الوطن والأمة العربية وعلى رأسهم الكيان الصهيوني من خلال قهر عملاء الموساد وإفساد مخططاتهم التي تسعى دائما إلى إلحاق الضرر بالوطن العربي.
كان الدكتور نبيل غزير الإنتاج بصورة لم يسبقه لها كاتب أو روائي فلم تكن سلسلتا ملف المستقبل ورجل المستحيل هما الوحيدتان لديه بل أطلق معهما سلاسل عديدة منها كوكتيل 2000 وزهور وسيف العدالة وزووم وفارس الأندلس وبانوراما وروايات عالمية للجيب وأرزاق و “ع × 2 ” والمتخصصون ومسرح الجريمة وسلسلة الأعداد الخاصة إضافة لكتابته آلاف المقالات في العديد من المجلات والصحف المصرية والعربية وكتابة السيناريو للمسلسل التليفزيوني العميل 1001 والمسلسل الإذاعي العملية شبل والتي كان بطلها رجل المستحيل أدهم صبري.
وبلغ إنتاج الدكتور نبيل فاروق حوالي 700 عدد من روايات سلاسله التي صدرت عن المؤسسة العربية وغيرها من دور النشر إضافة لمواد كتابية تصل إلى مئات الأعداد لو تم طباعتها على نسق رواياته ليضرب بذلك رقما قياسيا لم يسبقه له أحد وسيكون من الصعب أو المستحيل أن يصل له كاتب آخر ليكون صاحب سلسلة رجل المستحيل هو نفسه رجل المستحيل.
نال الدكتور نبيل فاروق تقديرا كبيرا من قبل جمهوره ومحبيه في الوطن العربي بأكلمه من خلال الاحتفاء بإصداراته وترقب صدورها خاصة في معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي كان يشهد ندوة سنوية يتم عقدها للدكتور نبيل ليلتقي جمهوره من القراء وكانت من أكثر ندوات المعرض إقبالا وجماهيرية إن لم تكن أكثرها على الإطلاق ما يعكس تأثيره الكبير وبصمته الأكيدة على الساحة الأدبية فيما يخص الأدب البوليسي وأدب الجريمة والخيال العلمي ما جعل جامعة فرجينيا الأمريكية تنشئ له موقعا خاصا به لأثره وريادته.
ومثلما استقبل محبو الدكتور أحمد خالد توفيق صدمة وفاته في الثاني من أبريل عام 2018 استقبل محبو الدكتور نبيل فاروق وعاشقو أدبه صدمة بالغة في التاسع من ديسمبر الجاري عام 2020 بعد وفاته إثر تعرضه لأزمة قلبية توقف معها قلبه ليلقى ربه لكن لم يتوقف أثره البالغ الذي لم يظهر في القراء فقط بل في العديد من الكتاب الشبان ما يجعل الحديث عن أثره ومسيرته يحتاج إلى دراسات متأنية وصفحات مطولة.
