الإثنين - 6 مايو 2024 - 5:07 مساءً
الرئيسية / تحقيقات وحوارات / ربا فاحش وضمائر ميتة.. مصاصو الدماء الجدد يجتاحون قرية الروضة

ربا فاحش وضمائر ميتة.. مصاصو الدماء الجدد يجتاحون قرية الروضة

أحد المجرمين اقترض ربع مليون جنيه من البنك ليسلف الأهالي بـ”الفايدة”

الضحايا: الحاجة وقلة الحيلة أوقعتنا في مصيدة المرابين

خبير في علم النفس: ظاهرة مرعبة تستغل الفقر وتلعب على الاحتياج

عالم أزهري: هؤلاء توعدهم الله بالحرب.. ولا نعلم ذنبا جاء فيه مثل هذا الوعيد

لم تكفهم ضغوط الحياة التي تحيط بالبسطاء حتى تكاد تخنقهم.. ولم يكفهم غلاء المعيشة الذي يستنزف كل دخل الفقراء فيجدون قوت يومهم بالكاد.. ولم يكفهم ما هم فيه من كد وتعب وعناء فزادوهم رهقا.. هذا حال المرابين الذين انتشروا في القرى خاصة الأكثر فقرا مثل مصاصي الدماء مستغلين حاجة الفقراء إلى المال حتى يكملوا متطلبات الحياة اليومية فأقرضوهم بالربا الفاحش تحت وطأة الحاجة المُلحة بضمان بيوتهم البسيطة وجعلوهم يوقعون على إيصالات أمانة ليتمكنوا من سجنهم في حال التعثر وعدم السداد.. وهذا ما يحدث في الغالب.

كثير من الفقراء فقدوا أسرهم وباعوا بيوتهم وتشرد أبناؤهم بسبب العجز عن سداد القرض الربوي الذي تزداد فائدته أسبوعيا أو شهريا حتى تتراكم على صاحبها فيعجز تماما عن الدفع فيكون بين خيارين إما السجن أو التنازل عن بيته للمرابي.. وفي الحالتين يكون الضياع.

كم من امرأة تركت صغارها ودخلت السجن في قرض ربوي.. وكم من رجل ترك أسرته ويقضي أيامه خلف القضبان بسبب ما اقترضه وعجز عن سداده.. وهكذا أصبحت الظاهرة في غاية الخطورة اجتماعيا.

 

رصدنا الظاهرة المخيفة في قرية الروضة البلد مركز ملوي محافظة المنيا وكيف يسعى مصاصو الدماء فيها بين الضحايا بلا رادع أو مانع خاصة في عدم وجود مادة في القانون تجرم القرض الربوي.

قلة الحيلة

قالت و.ر.س ربة منزل: تحت ضغط الحاجة وقلة الحيلة وبعد تكرار الاقتراض من أقاربي الذين لم ألتزم معهم في السداد فرفضوا إعطائي مرة أخرى ذهبت إلى امرأة معروفة في القرية بأنها تعطي أموالا بالربا وطلبت منها ألف جنيه فلم تتردد لحظة وقالت لي خذي ألفين لكن ستدفعي ألفين وستمائة جنيه فوافقت على الفور.

تابعت قائلة: مضيت على 12 وصل أمانة بعد أن اتفقت على السداد على مدار عام كامل أسدد مبلغا كل شهر وآخذ وصل أمانة من الـ 12 وإذا لم أسدد شهريا يزيد المبلغ فإذا لم أسدد مثلا يزيد المبلغ الكلي مائة جنيه نظير الإمهال لشهر آخر وأكتب وصل أمانة جديد.. وهكذا حتى تراكم المبلغ وتضاعف.

أضافت قائلة: لم أكن أحسب أن هذا الأمر هو الطامة الكبرى بالنسبة لي ولأولادي وأنه سيدمر حياتي بالكامل حيث تراكمت علي المبالغ شهرا بعد شهر وأصبحت الألفي  جنيه أربعة آلاف وقامت المرابية بتقديم إيصالات الأمانة للنيابة التي استدعتني ولم أخرج إلا بعد أن قام أهلي وجيراني بجمع المبلغ وتسديده للمرابية التي خربت بيتي وجعلتني لا أقدر على مواجهة من حولي حرجا وخجلا.

جهاز العروسة

قالت م.ن.ع ربة منزل: لا نملك من حطام الدنيا شيئا ونقضي حياتنا يوما بيوم ونشكر الله ونحمده على نعمة الستر والصحة لكن بعد أن تمت خطبة ابنتي الكبرى كان علينا أن نسعى لتجهيزها مثل كل العرائس وهذه الأيام يتكلف الأمر أموالا كثيرة لا نملكها أو نستطيع تدبيرها إلا بالسلف وهذا ما فعلناه.

تابعت قائلة: اقترضت من أقاربي وجيراني لتجهيز ابنتي لكن تبقى كثير من الضروريات لم نحضره لها فأشارت علي إحدى جاراتي أن أقترض بالربا من أحد الأشخاص في القرية الذي أدهشني كثيرا أنه بالذات يقرض بالربا لكن تحت ضغط الحاجة ذهبت إليه دون علم زوجي لأنه سيرفض واقترضت منه خمسة آلاف جنيه على أن أدفعها سبعة آلاف على مدار عام بإصالات أمانة شهرية تزيد قيمتها إذا تأخرت في السداد شهرا.. ولم أكن أدري أن هذا بداية العذاب.

استطردت قائلة: لم أكن أرى سوى تجهيز ابنتي ولم أكن أسعى إلا لسترها وأن تفرح مثل باقي البنات أمثالها وكنت أعتقد أن الأمر سيكون سهلا وأنني سأستطيع تدبير مبلغ الإيصال شهريا بأي طريقة بأن أدفع أبنائي الذكور للعمل رغم صغر سنهم لكن هذا لم يحدث وبعد فرح ابنتي بشهر ولم أكن سددت أي من الإيصالات جاء من يأخذني لنقطة الشرطة.

قالت وهي تغالب دموعها: لا أقول غير حسبي الله ونعم الوكيل في هذا الشخص المرابي وفيمن دلني عليه الذي ظهر أنه سمسار يجلب له الزبائن وهذه في الغالب طريقة المرابين حيث يكون لديهم من يدل عليهم ويجلب لهم الراغبين في القروض، فبعد أن ذهبت للشرطة وعلم زوجي بالأمر طلقني في وقتها وكان رحيما بي عندما استدان وجمع المبلغ ليخرجني من السجن لكنه لم يردني لذمته بعد عشرة العمر الطويلة ولا أقول إلا أنه معذور لأنني لجأت للربا ولأنني فعلت هذا دون علمه، وأنتظر الآن مساعي أهل القرية حتى يردني مرة أخرى من أجل أبنائنا.. وكل هذا بسبب الربا.

أم خلف القضبان

قال س.ح.ع شاب في الخامسة والعشرين: سعيت كثيرا لإيجاد عمل مناسب لكني لم أجد وبعد انتشار خبر القروض في القرية فكرت في أخذ قرض لأبدأ به مشروعا تجاريا وبالفعل ذهبت للرجل وأخذت منه عشرة آلاف جنيه وكانت والدتي هي الضامنة.. وكنت أعتقد أن الأمور ستكون على ما يرام وأسدد القرض.. لكن من قال إن الربا يأتي من ورائه خير؟.

تابع قائلا: علمت أن الرجل الذي اقترضت منه لم يكن معه مال أصلا فسعى لأخذ قرض من البنك بربع مليون جنيه وبعد أن استلمه بدأ يشغله في الربا بأن يقرض الناس أمثالي بفائدة كبيرة يكسب منها ويسدد قرض البنك.

أضاف قائلا: لم ينجح المشروع وخسرت رأس المال بالكامل وابتلعتني دوامة القرض فلم أسدد غير شهرين  وتراكمت الفوائد حتى قدم المرابي الإيصالات للنيابة فاختفيت من القرية لكن تم القبض على والدتي فسلمت نفسي حتى تخرج من الحبس.. وقضيت فترة كبيرة حتى تمكن أقاربي من سداد القرض والتصالح مع المرابي.

خراب بيوت

قال حمدي مسلم أخصائي علم النفس: لاشك أن هذه ظاهرة خطيرة للغاية على المجتمع وانتشارها بهذه الصورة الفاحشة في القرى يهدد المجتمع بالخطر ويتوعد نسيجه بالتمزق خاصة أن الأمر يؤدي في النهاية إلى “خراب البيوت”.

تابع قائلا: نتيجة الغلاء الفاحش وقلة الموارد يلجأ المواطن البسيط صاحب الدخل المحدود للاقتراض من أقاربه وجيرانه لكنهم يكونون مثله تماما أصحاب دخل محدود يكفيهم بالكاد وإذا أقرضوه مرة فلن تتكرر في الغالب فيلجأ إلى المرابين الذين يعلنون وسط الناس أنهم يقرضون بالفائدة فيذهبون إليهم ويخضعون لشروطهم مقابل الحصول على المال وحل المشاكل المادية لكنهم يستيقظون بعدها على كارثة عدم القدرة على السداد ومطاردة المرابين لهم بإيصالات الأمانة التي كتبوها على أنفسهم وينتهي الأمر بهم إلى بيع بيوتهم للمرابين ربما بنصف الثمن أويزيد قليلا أو السجن لحين السداد.

استطرد قائلا: وجود مرابين في القرى أو المدن سواء كانوا أفراد أو جهات ليس جديدا بالتأكيد لكن الجديد هو هذا الكم الهائل والعلني من المرابين الذين يمتصون دماء الفقراء والمحتاجين ويستغلون حاجتهم للمال والسبب فيما أعتقد هو هذا الغلاء الفاحش الذي لم يعد المواطن البسيط يستطيع العيش معه آمنا مستكفيا بدخله البسيط.

أوضح أن جهود علماء الدين الذين يحذرون من الربا وصوره تذهب هباء لأن القانون لا يوجد فيه مادة تجرم الربا أو تعاقب عليه لذا ينتشر المرابون بصورة كبيرة مستغلين حاجة الناس.

وعيد بالحرب

قال الشيخ عبدالرحمن محمود من علماء الأزهر: من المعلوم من الدين بالضرورة أن الربا حرام قطعا وقولا واحدا لا لبس فيه ولا تبرير لأي صورة من صوره فقد قال الله تعالى “وأحل الله البيع وحرم الربا”.. وقد توعد المرابين بالحرب ولم نجد وعيدا على ذنب أشد من هذا في قوله تعالى “ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله”.. لهذا يجب تجنبه بالكامل والحذر من الوقوع فيه مهما بلغت المغريات أو الضغوط.

تابع قائلا: أقول لمن يلجأ للمرابين امتنع ولا تفعل وتوكل على الله وحده ولا تذهب للمرابي ظنا منك أن عنده الحل والفرج واصبر على ظروفك الصعبة وحاول إيجاد حل آخر مثل القرض الحسن من أخ أو جار أو جهة كريمة أو اعمل واجتهد لتخرج من أزماتك ولو أنك تركت الاستعانة بالربا مخافة الله تعالى وخوفا من الوقوع فيما حرم فسوف يبدلك الله خيرا ويفرج كربك وييسر أمرك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه”.

أوضح الشيخ قائلا: على المسلم ألا ينخدع بأي مبرر وألا يصدق من يصورون له الأمر حلالا بدعوى أنه مضطر في أمور عادية يمكن إيجاد حل لها بعيدا عن الاقتراض بالربا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” كل قرض جر فائدة فهو ربا”.. وقد توعد الله الربا بالمحق في قوله تعالى “يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم”.. وكم من مرابٍ كانت آخره خرابا ودمارا وكم من مقترض بالربا كانت الأموال الربوية عليه وبالا ونارا أكلت ما عنده وكانت عاقبته خسرانا مبينا.. فالحذر الحذر من الربا وآكليه وكل طريق يؤدي إليه.

عن Nas News

شاهد أيضاً

غداً ولمدة يومين .. قافلة طبية لأهالي قرية زاوية الجدامي بمغاغة

تنظم مديرية الصحة بالمنيا بدءاً من غد الاثنين قافلة طبية علاجية بـقرية زاوية الجدامي بمركز …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *