البحث عن الصحافة
البحث عن الصحافة
تحولت الصحافة من مهنة سامية إلى سامية نفسها.. سامية التي ترقص في الموالد وتبيع جسدها أو تؤجره مفروشا لأصحاب العروش والكروش.. واللي على الفاضي منفوش.. ولم يتبق منها غير قلم شريف هنا أو هناك يحاول جاهدا أن يسعى بسن مكسور وحبر معصور وحرف مقهور.. لم يتبق منها غير صوت مبحوح.. ونغم ينوح.. وروح تجاهد قبل طلوع الروح.. فالحق موءود والباطل مسنود واللسان معقود والنبض معدود والنفس مرصود.. وطريق الخلاص مسدود مسدود مسدود.. يا ولدي.
لم يتبق من الصحافة غير محاولات يأكلها الخوف وينال منها الرعب وينتابها القلق ويأخذ منها التهديد والوعيد كل مأخذ.. لم يتبق منها غير مقال لكاتب حاول أن ينطق بالحق فلم ينشر.. أو تحقيق حاول فضح الباطل فلم يظهر.. أو حوار قوي جرئ دفنوه قبل أن يقرأه الجمهور.. أويخرج حتى للنور.
ووسط هذا كله تحولت الصحافة إلى مسخ سفيه.. إلى كائن مشوه دميم ذميم يطأطئ الرأس ويحنيه.. لا يستحي من الباطل.. بعد أن كان لا يستحي من الحق.. لا يخجل من النفاق والانسياق والاندلاق والانزلاق.. بعد أن كان لا يخجل من الصمود والصعود الذي جعل الكلمة كالبارود.. تقصف بلا ردود.. وتخسف بلا حدود.. وتنتصر للضعيف والمقهور وذي الحاجة المهدود.
ألمي لم يعد يتحمله القلب.. ودربي ضاق به الدرب.. والحسرة على مهنة القوة والحق من كل حدب وصوب.. لكن ماذا لو حاولت أن أضئ الطريق لمن أراد أن يسلكه معي.. ماذا لو حاولت قدر استطاعتي.. وجاهدت بكلمتي.. وحاربت بقلمي.. ماذا لو حاولت تنبيه الغافلين من جديد.. ونصرة الحق وإذابة هذا الجليد..
فأنا عندما بدأت رحلتي في الصحافة منذ أكثر من عشرين عاما كنت أبحث عن المتاعب.. أما الآن فأنا أبحث عن الصحافة.. سأفتش عنها يا ولدي في كل مكان.. وسأسأل موج البحر وأسأل فيروز الشطآن.. سأنقب عنها كما ينقب زاهي حواس عن الآثار.. سأزيل عنها كل ما علق بها من تراب وغبار واستحمار.. سأطيب خاطرها مرة بمقال.. وأثلج صدرها مرة أخرى بتحقيق.. وأتحفها بحوار.. حتى تسترد عافيتها التي فقدتها بالتهميش والتلطيش والتهبيش والتنتيش.. وأخيرا بوضعها في النيش.
سأحاول رغم الضباب وصعوبة الرؤية.. سأرفع قدمي لأخطو للأمام.. بدلا من اللاحراك.. هدفي رضا الله تعالى.. وقول الحق.. ودفع الظلم.. ودحض الباطل.. وتأدية واجبي .. ورفعة بلدي.. ومحاصرة الفساد.. ومحاربة التقصير.. ومنع الإهمال.. ومساعدة المحتاج.. فإذا قدر لي الاستمرار.. فمن المنعم والمتفضل والمستعان.. وإذا لم أستمر فتكفي النية والإخلاص والحمد لله على ماسيكون.. وعلى ما كان.
سأحاول رغم الضباب وصعوبة الرؤية.. سأرفع قدمي لأخطو للأمام.. بدلا من اللاحراك.. هدفي رضا الله تعالى.. وقول الحق.. ودفع الظلم.. ودحض الباطل.. وتأدية واجبي .. ورفعة بلدي.. ومحاصرة الفساد.. ومحاربة التقصير.. ومنع الإهمال.. ومساعدة المحتاج.. فإذا قدر لي الاستمرار.. فمن المنعم والمتفضل والمستعان.. وإذا لم أستمر فتكفي النية والإخلاص والحمد لله على ماسيكون.. وعلى ما كان.