تسببت أزمة فيروس كورونا التي انطلقت من الصين لتجتاح العالم كله وما تبعها من إجراءات وقائية وقرارات احترازية للحد من انتشاره وحصاره قدر الإمكان في العديد من الآثار الاقتصادية والتي طالت الجميع خاصة عمال اليومية الذين فقدوا مصدر رزقهم فجأة لدرجة جعلت كثيرين منهم لايجدون قوت يومهم إضافة لقرارات لم تكن في الحسبان مثل وقف أعمال البناء وهو القرار الذي تضرر منه قطاع كبير بالملايين فقدوا مصدر دخلهم الوحيد الأمر الذي جعلهم في ضائقة مستمرة خاصة مع استمرار الوضع على ما هو عليه دون النظر لما سببه لهم القرار من تعطل.
ولم يكن أمام المواطنين غير التكاتف والتعاون لمساعدة إخوانهم من عمال اليومية ليضربوا بذلك مثالا طيبا في الشعور بالآخرين ومساعدتهم دون تردد، وتجلى هذا في ما قام به أهالي قرية الروضة البلد بمركز ملوي محافظة المنيا الذين أطلقوا مبادرة بعنوان ” 100 لعمال اليومية” حيث قاموا بتلقي تبرعات من القادرين تبدأ من 100 جنيه يشرف على تلقيها أهل الأمانة والثقة ليتم إيصالها إلى المستحقين إلى أن تنتهي أزمة كورونا بلا رجعة.
قال الدكتور رمضان عبدالمعتمد الأستاذ بكلية الفنون الجميلة جامعة الأقصر وأحد أبناء قرية الروضة والمشرف على المبادرة: بعد ظهور فيروس كورونا وما تبعه من إجراءات وقائية وحظر تجول أدى لفقدان عمال اليومية مصدر رزقهم أو تضررهم بصفة كبيرة وأغلبهم يعولون أسرهم بالكامل والتي تتكون أغلبها من أكثر من خمسة أفراد وجدنا أن هذا الأمر غاية في الصعوبة ويضع العمال في مأزق كبير وحيرة بالغة وكان علينا أن نفكر في طريقة تساعدهم على النهوض من هذه العثرة وتحد من تضررهم بسبب آثار كورونا التي طالت قطاعات عديدة و أثرت على كيانات كبيرة فما بالك بعمال اليومية.
تابع قائلا: لم يكن أمامنا غير التكاتف والتعاون لنصنع حائط صد للحد من تضرر أبنائنا وإخواننا عمال اليومية فاجتمعت مع عدد من شباب القرية والمهتمين بالشأن العام فيها وقررنا جمع مبالغ مالية من القادرين والمتبرعين وتوزيعها على العمال فكانت مبادرة ” 100 لعمال اليومية” التي أعلنا عنها فلاقت قبولا كبيرا وتشجيعا لم نكن نتوقعه.
أضاف قائلا: فور الإعلان عن المبادرة والتي بدأنا نحن المؤسسين بتفعيلها حيث تبرعنا بما قدرنا الله عليه توالت علينا التبرعات من أهالي القرية الكرماء الذين أثبتوا أن الخير في هذه الأمة لن ينقطع وأن معدن المصريين الحقيقي يظهر في الأزمات وأوقات الشدة وبعدها بدأنا وضع خطة للتوزيع على المستحقين وذلك عن طريق الحصر الفعلي لعمال اليومية وبدأنا بالأكثر احتياجا وكان الأمر يتسع يوما بعد آخر حتى استطعنا تغطية عدد كبير منهم ولن نتوقف بإذن الله بل بدأنا نفكر في أشياء أخرى غير المساعدات الوقتية ليكون الأمر ممتدا وذا منفعة عامة مستمرة.
قال بهاء زغلول مدرس أول لغة فرنسية وأحد أبناء القرية المشرفين على المبادرة: بعد التفكير في المبادرة وتفعيلها وتلقي التبرعات من الأهالي والتي كان يشرف عليها أهل الثقة والأمانة فكرنا في توزيع المساعدات نقديا لكن وجدنا أن الأفضل شراء منتجات غذائية وتوزيعها على بيوت عمال اليومية وهكذا اشترينا كميات من الأرز والمكرونة والسكر والعدس والزيت وقمنا بتعبئة شنط متساوية الوزن لتوزيعها على البيوت الأكثر احتياجا.
تابع قائلا: بعد حصر المستحقين وعمل كشف بهم قام عدد من الشباب المتطوعين بحمل شنط المواد الغذائية وتوزيعها دون ذكر أي تفاصيل عن المصدر أو الفاعل أو حتى اسم المبادرة إضافة للتوزيع بعيدا عن الأعين بقدر الإمكان حتى لا يتأذى أحد من أبنائنا العمال ولم نعلن عن الأسماء إلا بيننا لهذا السبب أيضا إضافة إلى رغبة كثير من المتبرعين في عدم ذكر أسمائهم ليكون الأمر خالصا لوجه الله تعالى.
استطرد بهاء قائلا: بعد مبادرة “100 لعمال اليومية” فكرنا في عمل شئ يكون بمثابة سبب للرزق لكثير من عمال اليومية بعيدا عن انتظار فتح السوق أو عودة النشاط كاملا عقب الانتهاء من فيروس كورونا إن شاء الله تعالى وكان الأفضل أن يكون ذلك عن طريق تعليمهم صنعة فكانت فكرة شراء ماكينة خياطة وتعليم الشباب منهم حرفة الخياطة وقام الحاج أحمد راضي والذي أطلقنا عليه شيخ الخياطين بتعليم هؤلاء الشباب الخياطة على مدار مايقرب من أسبوع كامل تواصلت فيه دروس هذه الحرفة لتكون بمثابة “كورس” متكامل ومكثف وبالفعل تعلم عدد كبير منهم على يديه وأنتجوا ملابس بأيديهم وكان مستواها متميزا تحت إشرافه ومن حكمة الله تعالى أن الحاج أحمد توفاه الله تعالى بعدها ليكون هذا العمل النبيل في ميزان حسناته .
قال الشيخ محمد عبدالتواب خطيب مسجد الرحمة بالبلدة: حث الإسلام الحنيف على التكاتف والتعاون فقال تعالى في سورة المائدة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) ومن أهم صور التعاون ما يكون في الأزمات وليس هناك ما هو أكثر ولا أخطر من أزمة فيروس كورونا في أيامنا هذه والتي أثرت على عمال اليومية ففقد الكثير منهم مصدر رزقهم وجلسوا في بيوتهم بلا عمل فكان التكاتف لمساعدتهم واجبا وأمرا لابد منه وهنا كان دور أهل الخير من أبناء البلدة الذين هبوا لنجدة إخوانهم بما قدرهم الله عليه من مال.