تبدو نتائج التقديرات في الانتخابات السورية التي جرت قريبة من نتائج الانتخابات السابقة في العام 2014، ونسبتها تقارب نتائج الاستفتاء على الرئاسة الذي جرى في دورتين سابقتين؛ الأولى عام 2000، عندما نفذ النظام وصية مؤسسه حافظ الأسد بتولية ابنه مكانه، والثانية، عندما جدد الأسد الوريث رئاسته لفترة ثانية في العام 2007. وفي كل الحالات حصل الأسد الابن على الأغلبية شبه المطلقة من أصوات السوريين، رغم تباين واختلاف الظروف المحيطة بكل حالة من الحالات، الأمر الذي يعني أن إدارة العملية الانتخابية ليست لديها صلاحية تغيير النتائج، بل تأكيدها فحسب وبأي طريقة كانت، وهذا ما حصل هذه المرة وفي المرات السابقة.
الآن وبعد أن أُجريت الانتخابات، وفاز رأس النظام بفترة رئاسية رابعة، فإن السؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه، يتصل بما يمكن أن تشهده المرحلة المقبلة من تطورات تحيط بالواقع السوري من جهة، والمحيط الخارجي للقضية السورية من جهة ثانية.
وإن كانت التقديرات المتعلقة بالاحتمالات السورية تؤكد أن من المستبعد حصول تطورات مهمة وقريبة في الواقع السوري، فإن الانتخابات لن يكون لها أي تأثير على السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومن المؤكد أنه لن يكون لها تأثير إيجابي في مناطق سيطرته حتى إذ من غير المنتظر حصول تبدل في سياسات النظام، ولا في طبيعة تعامله مع السوريين أينما كانوا، ولن تغير نتائج الانتخابات قدرات النظام المنهارة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرته، والعكس هو المتوقع بسبب استمرار عجز النظام والأطراف السورية الأخرى عن إحداث خرق واضح أو تبدل في التوازنات القائمة، وخرائط سيطرتها الحالية مع استمرار انسدادات أفق الصراع السوري سواء لجهة عدم القدرة على حسم عسكري أو لجهة الانخراط في حل سياسي، وكلاهما مرتبط بالقوى الخارجية التي تسيطر على جميع الأطراف السورية، وتتحكم في حركاتها وقراراتها.
ويتوازى الوضع السوري مع انقسام في القوى الخارجية المتدخلة وذات العلاقة بالقضية السورية، خاصة لجهة أن حلفاء النظام أيدوا الانتخابات، وكان من المهم عندهم تجديد رئاسة الأسد. ورغم المشتركات الإيرانية – الروسية في الاستفادة منها، فإن روسيا هي الأكثر احتفاءً بتجديد رئاسة الأسد، الذي يجدد شرعية استمرار وجودها وتحكمها في سوريا، كما يجدد مراهنتها على الاستفادة من فوزه في مساعي تأمين مشاركة دولية في تمويل إعادة إعمار سوريا، الذي يشكل أحد أهم ما يشغلها في الموضوع السوري، لأنه يفتح الباب باتجاه الحصول على ديونها المتراكمة على النظام من المشاركة في إعادة الإعمار ونتائجها، ويتيح لها تشغيل ما حصلت عليه من استثمارات وعقود بطريقة أفضل مما هي عليه الآن.
غير طموحات حلفاء الأسد في تغييرات تعقب تجديد رئاسته، يقابلها صد دولي وإقليمي واسع تقوده الولايات المتحدة، التي أكدت وحلفاؤها مسبقاً أنها لن تعترف بالانتخابات، بل إن اثنين من حلفائها، هما تركيا وألمانيا وفيهما نحو 5 ملايين سوري تمثلان أكبر تجمعين للاجئين السوريين في الشرق الأوسط وأوروبا، ذهبتا عملياً إلى منع فتح مراكز انتخابات في البلدين، قبل أن تعلن الولايات المتحدة وشريكاتها الأوروبية من بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا رفض الانتخابات، التي اعتبرتها أنها غير شرعية، ولا تمثل الشعب السوري، نظراً لظروف إقامتها في ظل غياب البيئة الآمنة والمحايدة، وعدم مشاركة نحو 13 مليون سوري، ما يجعلها غير «حرة ولا نزيهة».
وكما هو واضح، فإن نتائج انتخابات الأسد، لن يكون لها أي تأثير، ولن تؤدي إلى حصول أي تغييرات في واقع القضية السورية في المستويين الداخلي والخارجي، حسب المعطيات الراهنة والمواقف المعلنة للأطراف المتدخلة في سوريا.
ومما لاشك فيه أن تأكيدات موقف الولايات المتحدة والأوروبيين الحاد حيال الانتخابات ونتائجها، وما سيتركه ذلك من أثر على مواقف بعض الدول ومنها دول عربية كانت موسكو تتوقع منها ليونة في مواقفها من نظام الأسد، واستعداداً أكبر لمشاركتها في إعادة إعمار سوريا، سيدفع موسكو للتفكير بما يمكن عمله خارج المخطط الروسي المعلن، خاصة إذا تأكد أمران؛ أولهما تأكيد الأميركيين والأوروبيين جدية موقفهما وتصعيده بصورة عملية، والثاني إعلان الولايات المتحدة بشكل واضح وصريح سياستها في الموضوع السوري، الذي قالت وكررت واشنطن أن إدارة بايدن تعيد دراسته.
نقلا عن “الشرق الأوسط”