علي سعادة يكتب: أكل السحت
أسأل نفسي كثيرا هل يمتلك رجل يطعم أسرته وأهل بيته من المال الحرام ضميرا أو حتى قلبا يدق بين ضلوعه مثل قلوب باقي البشر؟! كيف يأكل السُّحت؟
ما هو السحت الذي ورد في سورة المائدة في ثلاث آيات “سماعون للكذب أكالون للسحت” “وأكلهم السحت”؟
السحت هو المال الحرام ويطلق على كل أنواع الكسب غير المشروع، وقيل: هو ما خبث من المكاسب أو الحرام الذي لا يحل كسبه. وقيل: الرشوة ونحوها.
والسحت يلزم صاحبه العار، كأنه يسحت دينه ومروءته، وقيل إن السحت مبالغة في صفة الحرام، لأنه يذهب البركة، وسمي المال الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي : يذهبها ويستأصلها.
قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ” كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به”. وفي رواية أخرى: “كل لحم نبت من الحرام فالنار أولى به”.
وقال الفاروق عمر بن الخطاب: “رشوة الحاكم من السحت”.
وقال أبو حنيفة: “إذا ارتشى الحاكم انعزل في الوقت وإن لم يعزل، وبطل كل حكم حكم به بعد ذلك”.
وحين سئل عبد الله بن مسعود عن الرشوة في الحكم، قال: “ذاك الكفر”.
ويقول بعض العارفين، إن الرجل يطلب الحاجة للرجل فيقضيها فيهدي إليه هدية فيقبلها، وإذا كانت الهدية في مقابل قضاء الحاجات سحتا، فماذا يكون كسب الجاه والمال والمناصب، وما تدر عليه من مال بطريق النفاق والفتاوى الباطلة في الدين؟ .
كما يدخل في هذا الباب الكسب الناتج عن الربا والسرقة والفساد والرشوة والاستغلال والغش والفحش وبيع الأعراض والخمر والمخدرات.
وكان عبد الله بن عباس، يرى أن الآية المتعلقة بالسحت “من أشد الآيات في القرآن الكريم”، ذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب. كما يرى بعض المفسرين أن هذه الآية هي أكثر آيات القرآن إخافةً.
كل مال كسبته من الفساد والرشوة والاعتداء على المال العام، وقبولك بالمنصب على حساب غيرك، والواسطة الذي تدخل من أجل أن يعطيك حقا ليس لك أو لكي تقفز عمن هم أولى منك في الموقع.
ما تأخذه من مكافأة ورواتب وحوافز لشراء ذمتك لكي تكتب ما تريده منك الحكومة والسلطة، وأنت تعرف أنه بطل وضلال، هو شكل من أشكال السحت أيضا.
في مسلسل “المال والبنون” قدم الفنان الراحل أحمد راتب شخصية “السحت” وهو الرجل الفقير ابن الحارة الذي يعمل خادما، ثم يسرق كنزا كبيرا من “سلامة فرويلة” أدى الدور يوسف شعبان، ليتحول ” السحت” بعدها لرجل أعمال كبير.
ربنا لا تجعلنا ممن يأكلون السحت، وتب على من أصلح بعد ذلك.