الجمعة - 29 مارس 2024 - 2:05 صباحًا
الرئيسية / اسلايدر / أسامة الهتيمي يكتب: رواية رحلة الدم.. إبراهيم عيسى يتعرى

أسامة الهتيمي يكتب: رواية رحلة الدم.. إبراهيم عيسى يتعرى

أسامة الهتيمي يكتب: رواية رحلة الدم.. إبراهيم عيسى يتعرى

 

مضطر ومع حالة اللغط التي يثيرها بين الحين والآخر المدعو إبراهيم عيسى أن أنشر مقالي المطول المنشور بالراصد 2017 حول روايته الماسخة المملة “رحلة الدم” فلعله يكشف بعض جوانب شخصيته..

في ظني أنه ليس هناك من يسعد بإصدار رواية “رحلة الدم .. القتلة الأوائل” الصادرة في نهاية سنة 2016 للكاتب الصحفي المصري إبراهيم عيسى أكثر من الشيعة والغرب وأعداء الإسلام، ذلك أن الرواية الطويلة جدا، والتي تجاوزت صفحاتها الـ 700 صفحة، كلها تؤكد على ثلاث مسائل رئيسة يحاول هؤلاء بكل الطرق أن يؤكدوا زعمهم بأنها راسخة في الذهن الإسلامي منذ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى اللحظة ألا وهي: “التكفير والعنف والمادية”، حيث لا يفتأ يروج الغرب والموالون له وبشكل صريح أنهم الأساس الذي انطلق منه المسلمون في نشر دعوتهم وإجبار الناس على الانضواء تحت رايتهم وذلك في إطار جهودهم للحد من التمدد الإسلامي ونشر “فوبيا” بين الأمم من هذا الدين ورجاله.

وعلى الرغم مما مثلته رواية “مولانا” التي قدمها إبراهيم عيسى قبل أربع سنوات من خطورة، ذلك أنها تناولت قضايا مهمة وحساسة إلا أنها لا تقارن على الإطلاق برواية “رحلة الدم”، فالأخيرة كانت ضربا مباشرا وصريحا في صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين هم تلامذته الأوائل، والمعبرون بشكل أكبر عن قيم الإسلام وتوجيهاته، وعليه فإن وصف ما هم عليه من هذه السلوكيات السلبية في مجملها هو إسقاط مباشر على الإسلام ذاته.

ومن هنا جاء رفض وفضح مجمع البحوث الإسلامية لافتراءات عيسى في هذه الرواية وإصداره تقريرا حولها سنعرض لأبرز ما جاء فيه لاحقا.

رحلة الكذب والتشويه

ليس ثمة مبالغة في القول بأنه لولا إهداء إبراهيم عيسى والتنويه الذي كتبه في مقدمة روايته فضلا عن تلك الكلمات القليلة التي تحدثت عن الرواية في الصفحة الأخيرة من الغلاف وذكر بعض الصحابة بأسمائهم لما تخيل القارئ أن تكون شخصيات الرواية هي شخصيات لصحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنما هي “عصابة” لا يشغلها إلا “المال والنساء وسفك الدماء”.

ربما من الطبيعي أن تتضمن السيرة الذاتية لكل امرئ على وجه الأرض – بعيدا عن الخلاف حوله – ما يمكن أن نعده جوانب إيجابية وما يراه البعض جوانب سلبية، فتلك عادة البشر لكن إبراهيم عيسى وخلال روايته تناول أغلب شخصيات الرواية وبينهم صحابة وكأنهم ذئاب بشرية، فلا يمكنك على الإطلاق أن  تستشعر بالرضا تجاه أية شخصية من بينهم، بل إنك حتما ولا بد وأن تنظر لكل منهم على حدة باعتباره رجلا ماديا انتهازيا متآمرا وحقيرا لا يسعى إلا لتلبية نداءات الرغبة في السلطة أو المال أو شهوة الجنس، وهو موقف بكل تأكيد يجافي حقيقة وواقع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن ثم فإن ما قدمه إبراهيم عيسى في هذه الرواية لا يعدو عن كونه “رحلة كذب أو رحلة تشويه أو رحلة افتراء أو رحلة ادعاء أو رحلة فتنة أو رحلة الدعوة للرذائل بل ورحلة الملل أيضا”، وهي الرحلة التي يبدو أنها تجسد بعضا من خطوات مشروعه الذي يستهدف في النهاية القضاء على النموذج والقدوة ويفتح الأبواب على مصراعيها أمام تحلل الجميع من القيم والأخلاق حيث بدأها برواياته خلال مرحلة شبابه، التي صنفها البعض بأنها روايات “بورنو” من مثل “دم على نهد” ثم جاءت رواية “مولانا” التي عرف كل من قرأها أو شاهد ذلك الفيلم السينمائي الذي نُسج منها وحمل نفس اسمها أنها ليست إلا محاولة لتشويه صورة الدعاة والوعاظ والحديث عن وحدة الأديان وغير ذلك من القضايا الشائكة ثم تأتي أخيرا رواية “رحلة الدم.. القتلة الأوائل” التي ووفق ما قال عيسى نفسه إنها بداية سلسلة يعتزم كتابتها، لكن وكما اتضح من جزئها الأول فإن المقصود بالقتلة الأوائل هم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك تكون غاية هذه الروايات تشويه صورة الصحابة رضوان الله عليهم.

وعلى الرغم من أن أهل السنة والجماعة حدّدوا موقفهم بشكل صريح من الصحابة رضوان الله عليهم فلم يعتبروهم ملائكة، وفي ذات الوقت قيّموا مواقفهم وسلوكهم وفق ما يجب أن يلتزموا به من معايير التأدب معهم رضوان الله عليهم إلا أن إبراهيم عيسى يحاول بكل الطرق أن ينتصر لفكرة مذهب الشيعة الذين يتخذون موقفا عدوانيا تجاه الصحابة بانتقادهم وتكفيرهم، هل هذا لأن عيسى ينحاز لمذهب الشيعة ويؤمن بما يطرحه الشيعة أو هي محاولة للاستئناس بروايات تاريخية اعتمدها الشيعة أو نجحوا في الترويج لها حتى نقلها بعض المحسوبين على أهل السنة لكي يضرب الرؤية السنية؟ أيّا كانت حقيقة موقف عيسى فهو مسلك يعكس خبث الرجل ومكره ورغبته في ضرب الفكر الإسلامي برمّته.

وبموضوعية شديدة فإن موقف أهل السنة من الصحابة رضوان الله عليهم أكثر منطقية وعقلانية من هؤلاء وأولئك ذلك أنهم لا يتعاملون مع الصحابة بقدسية لا محدودة كما يفعل بعض المتطرفين أو يحاول أن يروج لهذا بعض العلمانيين الذين في قلوبهم مرض، كما أنهم لا يتعاملون مع الصحابة بهذا الرفض أو الهجوم الحاد عليهم والذي يتبناه الشيعة باعتبار غالب الصحابة منافقين أو كافرين، ومن ثم فإن نظرة أهل السنة إلى خلاف الصحابة على أنه خلاف طبيعي وفتنة يمكن أن يشهدها أي مجتمع خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة وطريقة إدارة الحكم وهي كلها أمور نسبية وغير مطلقة، وهو في نظري موقف يكشف مدى تناقض العلمانيين إذ وفي الوقت الذي يتخوفون فيه من أن تكون أطروحات الإسلاميين مقدسة وغير قابلة للنقاش وهو الأمر الذي ينفيه وباستمرار الإسلاميون يحاول هؤلاء وبمختلف الطرق أن يجمعوا كل شاردة وواردة حول الخلاف بين المسلمين في التاريخ في إطار خطّتهم الممنهجة للتشويه.

الروايات والحكايات المكذوبة

في اعتقادي أن عبقرية إبراهيم عيسى في رحلة الدم تتمثل في شيء واحد فقط هو قدرته اللامتناهية على أن يوظف كل الروايات المكذوبة التي خلت من أسانيد صحيحة ليشكل في نهاية الأمر تلك الصورة البشعة التي يسعى ويحرص على إثباتها لهؤلاء الصحابة الكرام مستندا في الوصول بها والترويج لها على أمرين:

أولهما: إيهام المتلقي -سواء عبر التنويه على صفحات الرواية أو عبر تلك الحملة الدعائية التي صاحبت إصدارها- أن كل ما أورده من أحداث هي أحداث واقعية نقلها من العديد من المصادر التاريخية.

وثانيهما: الرهان على أن القليل من مطالعي روايته سيبحث وراءه للكشف عن زيف ادعائه وبطلان دعواه واليقين بأن هذه القلة الباحثة عن الحقيقة لن تجد من المنابر القوية التي يمكن عبرها أن يعلنوا عن هذا الزيف ويفضحوا هذه الادعاءات.

وقد تنبه مجمع البحوث الإسلامية إلى هذا الأمر فأصدر تقريرا حول الرواية أكد فيه أن الرواية اعتمدت في أغلب سرد شخصياتها وأحداثها على أخبار موضوعة وكاذبة وضعيفة، بعضها من مصادر شيعية، والتي حللها عيسى من وجهة نظره بهدف تصوير الصحابة الكرام لدى القارئ بصورة تنزع عنهم الاحترام.

وقال المجمع إن الرواية تبنّت ما يسمى بـ “عقيدة نزع القداسة” التي تتبناها التيارات شديدة الانحراف والتي تقتنع بعدم تمييز الإنسان على سائر الكائنات وذلك على خلاف ما نصّت عليه الكتب المقدسة، مضيفا أن الرواية تعمدت بناء صورة مشوهة للصحابة من خلال الإيحاء بأن جميع الشخصيات بالرواية المشار إليها حقيقة وكل أحداثها تستند على وقائع وردت بمراجع تاريخية ذكر منها “فتح العرب لمصر لألفريد بتلر، وسقيفة حبَّى لجورج كدر وأنساب الأشراف للبلاذري الشيعي”، الأمر الذي يشير إلى رغبة المؤلف في التأكيد بأن ما تضمنته الرواية من رؤى وتحليل هو الواقع وليس من خيال الكاتب.

ومن تلك الروايات المكذوبة التي تضمنتها “رحلة الدم” ما نسب للسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تجاه الخليفة عثمان رضي الله عنه: “اقتلوا نعثلا فقد كفر”، وهي مقولة  مكذوبة على السيدة عائشة، واستند عيسى فيها على ابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي، وهي رواية جاءت من طريق سيف بن عمر، الذي قال عنه يحيى بن معين وابن أبي حاتم: ضعيف الحديث، وقال النسائي فيه: كذاب وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، قال: وقالوا: إنه كان يضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن أبي حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال ابن عدّي: عامّة حديثه منكر(1).

وقد تعمد عيسى إهمال وتجاوز الروايات الصحيحة أن أم المؤمنين كانت تكنّ للخليفة عثمان كل احترام وتقدير لأنها تدرك عظيم منزلته في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أخبرها عن عثمان ونقلته هي لنا: “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة” رواه مسلم.

ومن الروايات المكذوبة التي حشا عيسى بها روايته رواية ضرب الخليفة عثمان بن عفان لعمار بن ياسر وقد ردّ هذه الفرية الكثير من العلماء مؤكدين أن الرواية التي جاءت بشأن ذلك غير صحيحة فسندُها فيه انقطاع وأن المسلمين لا يقبلون إلا ما نقل نقلا صحيحاً فقط(2).

ومنها القطع بأن عثمان رضي الله عنه لم يصلّ على جنازة عبد الله بن مسعود، وهو أمر لم يثبت، وقد جاءت فيه العديد من الروايات، ومن بينها روايات تحدثت عن أن ابن مسعود أوصى إلى الزبير بن العوام فيقال إنه هو الذي صلى عليه ليلا ثم عاتب عثمان الزبير على ذلك وقيل بل صلى عليه عثمان، وقيل عمار، فالله أعلم(3).

ومنها ذكره قصة ضرب عثمان لابن مسعود رضي الله عنهما وهي كذب باتفاق أهل العلم فإنه لما ولي الخلافة أقرّ ابن مسعود على ما كان عليه من الكوفة(4).

وأما روايته الطويلة عن الصحابي عبد الرحمن بن عديس ومشاركته في الخروج على الخليفة عثمان وقتله فيما بعد فهي أيضا رواية غير ثابتة، رواها فقط ابن لهيعة، وهو شيعي شديد الضعف، وما ذكره الدارقطني من أن عبد الرحمن أحد الذين ساروا إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه من أهل مصر فيحتاج لمعرفة الإسناد الذي اعتمد عليه الدارقطني، فإن كان الواقدي فهو مردود، ثم ليس كل من ركب إلى عثمان كان يريد قتله بل كثير منهم كان يريد عزله فحسب(5).

وأما حديثه عن قيام محمد بن أبي حذيفة بتزوير رسالة من السيدة عائشة أم المؤمنين وخاتمها فهو أمر مشكوك فيه ولم تثبت صحته.

كما أن القصة التي ذكرها عيسى كثيرا في “رحلة الدم” حول مروان بن الحكم ووصفه بأنه ابن الطريد استنادا إلى رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى أباه الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس إلى الطائف لكونه حاكى مشيته عليه الصلاة والسلام فقد طعن فيها كثير من العلماء، وقد بيّن شيخ الإسلام رحمه الله هذا وأجاب عن إرجاع عثمان رضي الله عنه مروان إلى المدينة على فرض أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نفاه إلى الطائف، فقال في منهاج السنة ما مختصره: الحكم بن أبى العاص كان من مسلمة الفتح، وكانوا ألفي رجل، ومروان ابنه كان صغيراً إذ ذاك، فإنه من أقران ابن الزبير والمسور بن مخرمة، عمره حين الفتح سن التمييز: إما سبع سنين أو أكثر بقليل أو أقل بقليل .. ولم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. فإنْ كان قد طرده فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة. وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه، وقالوا: هو ذهب باختياره(6).

ومنها حديثه عن خطبة محمد ابن أبي بكر لعاتكة وهو خبر غير صحيح فضلا عن افتراء إبراهيم عيسى في إشارته (ص 590) بأن هذه الخطبة المعلنة تمت وهي لا زالت في فترة عدّتها من الزبير رضي الله عنه.

وأما ما أورده من تفاصيل عملية مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه ودوافعها ومن قام بها فهي مغلوطة إلى حد كبير، فقد ألمح أكثر من مرة إلى أن الدافع الرئيس لمقتله لم يكن سياسيا فأشار إلى دوره رضي الله عنه في توحيد المصحف الشريف وأن ذلك كان سببا لنقمة الكثيرين عليه، فيما ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أورد على لسان الكثيرين حكم تكفير عثمان، وهذا مما لم يثبت أبدا.

كما زعم أن دفن عثمان تأخر، فضلا عن دفنه في مقابر اليهود، وأنه لم يشيعه إلا اثنان من الصحابة وزوجته نائلة، وهي أقوال ومزاعم غير صحيحة فقد دفن عثمان بن عفان في حش كوكب البقيع، وهو أول من دفن هناك وليس في مقابر اليهود كما يشيع البعض، قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: (وأما موضع قبره فلا خلاف في أنه دفن بحش كوكب شرقي البقيع) وقال: (ثم كان دفنه ما بين المغرب والعشاء خيفة من الخوارج، وقيل بل استؤذن في ذلك بعض رؤسائهم فخرجوا به في نفر قليل من الصحابة وذكر منهم طلحة والزبير وعلي). وقال أيضاً: (وقدعارضه بعض الخوارج وأرادوا رجمه، وإلقاءه عن سريره، وعزموا على أن يدفن بمقبرة اليهود بدير سلع، حتى بعث علي رضي الله عنه إليهم من نهاهم عن ذلك)(7).

هذا غيض من فيض من العديد من القصص والحكايات والروايات المكذوبة التي نسج منها إبراهيم عيسى روايته التي لا تمت أغلبها للحقيقة بأية صلة إذ لم ينشغل عيسى على الإطلاق بالبحث والتقصي حول صحة ما يَستند إليه من روايات وأحداث فقد كان كل همّه هو البحث عن قصص تصنع له نسيجا دراميا يحقق فيها هدفين هما الإثارة والتشويه ليس إلا، ومن ثم فلا مانع من أن يأخذ بكل رواية تساهم في هذا غاضّا الطرف عن كل التحذيرات من الوقوع في فخ ترديد حكايات التاريخ دون تثبت، ومنها ما أشار إليه العلامة ابن خلدون الذي قال: (وكثيرا ما وقع للمؤرِّخين والمفسِّرين وأئمَّة النَّقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرَّد النّقل غثًّا أو سَمِيْنًا، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سَبَرُوهَا بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النَّظر والبصيرة في الأخبار فضلَّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط).

لكن الأسوأ الذي يمكن أن تخلص به بعد الانتهاء من قراءة الرواية وما فيها من أكاذيب هو أن تكتشف أن الظروف التي عاشها عبد الرحمن بن ملجم المرادي، قاتل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – تؤكد أنه ورغم تنطعه وقسوته إلا أنه لم يكن إلا شابا باحثا عن المثالثات والقدوة الحسنة التي كان يظن أنه سيجدها في صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لكنه ومن خلال معايشته لهم ومراقبته لسلوكهم أصابته الصدمة، ومن ثم فقد القدوة والنموذج، الأمر الذي يعني أن إبراهيم عيسى ربما يحمّل ضمنيا هؤلاء الصحابة مسئولية قتل عثمان كما سيحملهم وفق ما هو متوقع -إن كتب بقية أجزاء السلسلة- مسئولية قتل علي رضي الله عنه ليكونوا هم القتلة الأوائل!

الجنس وقلة الأدب

كلما مررت بواحدة من تلك الفقرات الجنسية وما أكثرها في رواية “رحلة الدم” أجدني أحمد الله عز وجل أن الرواية جاءت في أكثر من 700 صفحة وأنها مملّة لا تجذب قارئها، إذ كيف يمكن لغثاء مثل هذا الغثاء أن يقرأه ويطلع عليه شبابنا وفتياتنا في ظل أجواء أصبح فيها أصحاب هذا الغثاء هم صفوة المجتمع ونخبة مثقفيه يقولون فيُسمع لهم ويكتبون فيتم الترويج لما يكتبونه وكأنه زبدة الفكر البشري وعصارته فيما تتلقفه الصحف والفضائيات مادة يتكلم فيها الجميع حتى يصبح هذا الغثاء هو ما ليس قبله وما ليس بعده!

وقد أقحم الكاتب أغلب المشاهد الجنسية في أحداث الرواية بشكل قبيح وفج ما كشف عن مجرد رغبة محمومة لديه في تحقيق الإثارة لدى المتلقي فضلا عن تجاوز حدود الأدب واللياقة خلال الحديث عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بالطبع لا يهدف من وراء ذلك إلا كسر الحدود التي يجب التزامها خلال الحديث عن صحابة الرسول الكريم تحت ادعاء أنه لا قداسة لأي شخص، فالجميع بشر غير مفرّقٍ بين مفهوم القداسة الذي يزعمه ويدعيه وبين التأدب في ذكر الصحابة رضوان الله عليهم.

إشارات خطيرة

ويا ليت كل ما سبق أشبع نهم إبراهيم عيسى وأرضى رغبته في التشويه والإثارة بل إنه حرص كل الحرص على أن يضمّن نص الرواية العشرات بل المئات من الإشارات والتلميحات التي حملت مضامين فكرية خطيرة تتشابه إلى حد كبير مع ما ذهب إليه العديد من المستشرقين الذين أثاروا الشبهات حول الإسلام ورجاله، وهو أمر يحتاج إلى تفصيل آخر.

ومن بين هذه الإشارات ما هو سياسي ومنها ما تعلق بالفكر الديني أو ما تعلق بطبيعة وتكوين شخصيات صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكرر بعضها في عدة مواضع ومن أمثلة ذلك بشكل موجز:

*توصيف الفتح العربي الإسلامي لمصر على أنه احتلال، مثله مثل أي احتلال أجنبي وكذلك الحديث عن الظلم الذي وقع من المسلمين على أقباط مصر (ص 392).

*الإشارة في عدة مواضع إلى أن المصريين كانوا أكثر رقيا وتمدنا من العرب الأجلاف.

*الحديث عن عمرو بن العاص وكأنه جاهل بفقه الحرب وشروط السبي (ص 130).

*التشكيك في نسب عمرو بن العاص وأن بعض الصحابة يصفونه بابن النابغة في إشارة لأمّه (ص 135).

*التشكيك في نسب عقبة بن نافع أيضا (ص 136).

*تصوير صالح القبطي المصري باعتباره الأفضل (ص 136).

*قيم الطبقية كانت تسود نظرة الأمراء في التعامل مع الجند (ص 140 – 163- 198).

*تحقير شأن الصحابة وإظهارهم كأنهم عنصريون (ص 148-285 – 335 – 342-  435).

*إظهار الصحابة وكأنهم يستخفّون بتوجيهات وتعليمات القادة والأمراء (ص159).

*إظهار بعض الصحابة في حالة استعلاء (ص 199- 200).

*الإصرار على تسمية المدينة المنورة باسمها قبل الإسلام “يثرب” (ص 354).

*تجاهل الصلاة على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة (ص 238).

*إشارات متكررة أن الصحابة كانوا يميلون إلى الراحة والترف والدعة (ص 194- 282).

*إظهار الصحابة غير ملتزمين بأدب الحوار، وسباب بعضهم لبعض (ص336-383-512).

*تلميحات بعدم صدق إسلام عبد الله بن أبي سرح (ص 339).

*الجهاد كان لدوافع سياسية بحته وليس للدفاع عن الإسلام أو الدعوة إليه (ص 394- 412).

*إظهار الصحابة منشغلين دائما بالغنائم (ص 420- 568).

*إطلاق أحكام التكفير بين الصحابة بلا أية قيود (ص 429 – 521 – 580– 606 – 624).

*اتهام بعض الصحابة بالكذب (ص 450).

*صراع الصحابة على الإمامة في المسجد (ص 482).

*عدم التأدب في مخاطبة زوجة الخليفة (ص 544).

*مشاهد تمثيلية غير مقبولة لطريقة حوار الصحابة فيما بينهم (ص 585- 588).

*إظهار الصحابة وكأنهم لا يتوقفون عن التفكير في النساء (ص 604).

*تكرار مزاعم التمثيل بالجثث (ص 665– 671– 692).

خاتمة

لا يمكن لقارئ الرواية التي حشدت كل هذا الكم الهائل من الروايات والأحداث التاريخية بهذه الطريقة وعلى هذا الشاكلة إلا أن يصاب في داخله بحالة من “القرف والتقزز” من هذه العصبة أو العصابة التي يفترض بها أن تكون خير ممثل عن القيم الإسلامية غير أن الأخطر أن تنعكس هذه الحالة بشكل سريع على البعض فيصاب بحالة أخرى من الاستخفاف بهذه القيم والتشكك في مدى صحتها أو قدسيتها أو حتى عدم جدواها وصلاحيتها، وهو ما يمكن أن يترجم سريعا لدى هؤلاء بشكل سلبي في طريقة تعاملاتهم ونظرتهم العامة إلى المجتمع ومفهوم الحلال والحرام وبالتالي المشاركة بشكل أو بآخر في انهيار المنظومة القيمية على مختلف المستويات، ذلك أن كل متلقٍّ يظن في نفسه أنه أفضل في سلوكه بمراحل من هذه النماذج الفجة.

كما أن تقديم هذه الأحداث على هذه الشاكلة وبهذا السرد المبتور والمبتسر هو في نظري أهم وأخطر رسالة أراد الكاتب أن يبعث بها، ذلك أنه أراد أن يسوغ ويقدم المبررات لكل حاكم ظالم أو مستبد بل لكل ناشط سياسي غير سوي إذ لو كان هذا هو واقع الصحابة رضوان الله عليهم وفق ما جاء في الرواية فإن كل سلوك يصدر من آخرين يصبح مستباحا في العمل السياسي.

بالتأكيد لسنا ضد الإبداع أو أن يترك الكاتب لخياله أن يسرح كيفما يشاء ينسج القصص والحكايات ويصف الشخصيات لكن أن يطال هذا الخيال شخصيات تاريخية حقيقية بل ومن كبار الصحابة رضوان الله عليهم ممن عاشوا سنوات الإسلام الأولى فإن هذا بلا شك يحتاج إلى وقفة وتأمل بل إبداء ملاحظات ورفض ورد، ذلك أن السكوت على مثله يساهم بكل تأكيد في تشكيل رؤى وأفكار سلبية عن جيل الصحابة لدى المتلقي.

هذا يدفعنا إلى أن نطرح تساؤلا نراه في غاية الأهمية يتعلق بحقيقة موضوعية موقف هؤلاء من السنة النبوية وأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ تراهم في مواضع كثيرة يرفضون أحادث وردت في كتب الصحاح كالبخاري ومسلم ويعتبرونها من الأحاديث المكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الموضوعة على الرغم من أن من البخاري ومسلم اتّبعا منهجا دقيقا لأقصى درجة في جمع روايات ما جاء في كتابيهما، بينما يحاول هؤلاء في تناقض مكشوف أن يشكلوا وعي وثقافة وآراء الجماهير المتلقية لما يكتبون من خلال حكايات وروايات تاريخية ثبت أن أغلبها مكذوب لا علاقة له بالحقيقة وأن كتابها ورواتها لم يخضعوها لتلك المعايير الدقيقة التي اتبعها كل من البخاري ومسلم؟ مما يكشف عن النوايا الخبيثة لدى هذا الفريق.

ولا يفوتنا في هذا الإطار أن نبطل شبهة يكثر تردادها وهي أن أهمية رواية إبراهيم عيسى تتمثل في أنها تطرقت إلى بعض المسكوت عنه في التاريخ الإسلامي وأن عبقريته في أن يخرج لنا أحداث هذه الفتنة.. والحقيقة أنني لا أعرف على أي أساس يستند هؤلاء في طرح رؤاهم؟ .. هم ربما يحاولون أن يستخدموا بعض العبارات والأكليشيهات المنمقة ليس إلا لإبهار المتلقي وإثارته فيكتب الكاتبون “رحلة الدم .. رواية تتحدث عن المسكوت عنه” وكأن إبراهيم عيسى قام بسبق صحفي فكشف عمّا لم تصل إليه يد أحد من قبله ونسي هؤلاء أو تناسوا أن كتب التاريخ مليئة بكل الأحداث وأن الأمر في متناول كل من يرغب في الوصول إليه غير أن البعض يؤثر أن يثير قضايا مثيرة لكنها تفتقد إلى الأدلة المسندة والثابتة فضلا عن أن إعادة ذكرها لا يعود بالفائدة الحقيقية على أمة تعاني حالة من التشتت والخلاف والتشرذم وأن الأوْلى بأهل الوعي فيها أن يدفعوا بها إلى التوحد والصمود والمقاومة غير أن ما يقوم به عيسى وأمثاله ليس إلا إضعافا لها من جهة، وبحثا عن الشهرة ولو كان ذلك على حساب واقع الأمة وإثارة فتنها من جديد.

عن Nas News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *